أسفرت أزمة الغذاء الجارية عن حدوث زيادات كبيرة في تضخم أسعار المواد الغذائية في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأحياناً إلى بعض القلاقل والاضطرابات المدنية. وقد أثارت هذه الأزمة شواغل تتعلق بالرغبة في تحسين الأمن الغذائي، بل وفي قيام بعض بلدان المنطقة باستطلاع إمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي "في العالم العربي" عن طريق تأمين الحصول على مساحات كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة في بلدان لا تتبع المنطقة، مثل السودان لأغراض الإنتاج الزراعي. وتشكل كيفية معالجة الأمن الغذائي وضمان الحصول على إمدادات غذائية بصورة متسقة ويمكن التعويل عليها قضايا بالغة الأهمية بالنسبة للحكومات في بلدان هذه المنطقة. فواردات المنطقة من الأغذية المستهلكة تشكل أكثر من خمسين في المائة، مما يضعها على قمة البلدان المستوردة للأغذية في العالم. وتشير معدلات النمو السكاني المرتفعة في المنطقة، مقترنة بالقيود البالغة المتعلقة بنقص الأراضي الصالحة للزراعة والموارد المائية، إلى أن اعتماد المنطقة على الواردات الغذائية مرشح للزيادة أو أنه سيظل عند مستوياته الحالية في المستقبل المنظور. الجدير بالذكر أن أسواق الحبوب الغذائية في العالم تُعتبر محدودة التعامل، إذ أن صادرات القمح لا تمثل، على سبيل المثال، سوى 18 في المائة من الإنتاج العالمي للقمح، فضلاً عن سيطرة ستة بلدان على جانب العرض في الأسواق العالمية تشكل معاً 75 في المائة من صادرات القمح في العالم.
وقد تمثل أسعار المواد الغذائية المرتفعة فرصة أمام المنتجين الصافين للأغذية في المناطق الريفية في بلدان هذه المنطقة. حيث يعيش ثلاثة وأربعون في المائة من سكان المنطقة في المناطق الريفية. إلا أن معدلات الفقر تزداد بشكل عام في المناطق الريفية عنها في المناطق الحضرية، فضلاً عن تخلف المناطق الريفية من حيث التنمية والخدمات. ويعد القطاع الريفي بمثابة مستودع للعمالة، إلى جانب كونه منتجاً للمواد الغذائية التي يحتاجها القطاع الحضري. وتعتبر صور التباين بين الريف والحضر أحد الأسباب الهامة وراء الهجرة إلى المناطق الحضرية والبلدان الأخرى. ويقي نظام معقد للدعم وحماية التجارة المزارعين، في أحوال كثيرة، من ارتفاع أسعار تسليم المزرعة، ويساعد على تعزيز الوضع الراهن.
يتمثل أحد الأركان الأساسية لاستراتيجية قطاع الزراعة والتنمية الريفية في البنك الدولي الخاصة بالمنطقة في مساعدة البلدان على تحسين الأمن الغذائي وإدارة تعرّض الأسواق للتقلب. ومن الضروري العمل على تحسين مستوى كفاءة الأساليب الزراعية بشكل أساسي، وعلى سكان المناطق الريفية الانتقال نحو زيادة الإنتاجية، ورفع معدلات الدخل، والقيام بالأنشطة ذات الأجور الأعلى. كما تهدف هذه الإستراتيجية إلى مساندة سكان الريف ممن يقررون الهجرة، وذلك لاستغلال الفرص الجديدة المتاحة لهم أفضل استغلال. ويمكن أن يتحقق هذان الهدفان عن طريق تهيئة الظروف اللازمة للزراعة ذات القدرات التنافسية، وظهور أنشطة غير زراعية تدر دخلاً وذلك بهدف تنويع الأنشطة الاقتصادية في المناطق الريفية، وكذلك تسليح سكان الريف بمقوّمات الأصول البشرية الحاسمة الأهمية كالتعليم والصحة والمعلومات، وهو ما من شأنه أن يزيد الفرص الاقتصادية المتاحة لهم إلى الحد الأقصى، سواء في موطنهم أو في أماكن أخرى.
الزراعة والأمن الغذائي والتنمية الريفية في السودان
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
ساحة النقاش